القراءة
المعرفة على كنز الإنسان ورمز تكريمه، حيث خلقه الله مكرم على سائر المخلوقات فأعطاه العقل يفكر به، ويدي حياته من خلال التفكير الجيد والمقارنة بين كل معطيات الحياة التي تتوفر أمامه.
والمعرفة مصادرها كثيرة، لكنّها في كل مصادرها تعتبر مكتسبة وليست وراثية مع الإنسان، الإنسان يولد بقدرات عقلية معينة لكنّه كمثل الوعاء الذي إذا لم يملأ يكون فارغًا، وإذا امتلئ فاض به فالإناء بما فيه ينضح، لذلك لا خير في عقل بقوة وذكاء إذا لم يتم تزويده بالمعلومات التي تنمي قدرته وتنشط عضلات مخه.
والمعرفة التي يحصل عليها الإنسان، يأخذها من تعاملاته مع والديه والأصدقاء، ومن تبادل الحديث والمعلومات مع من حوله، وشيء من المعرفة يكتسبها من المدرسة غير المناهج الدراسية، لكن كل تلك المصادر لا تفي بالغرض الذي ينتظره الدماغ، فالدماغ مستعد لكمٍ أكبر من المعلومات والمعرفة وهذا يتحقق بالقراءة، فالقراءة غذاء العقل، وهي على وقت ليس ببعيد تصبح للإنسان دليل الروح، فالذين يقرأون كثيرًا يعرفون كثيرًا، يخوضون في تجارب أمم سابقة، ويزورون مدنًا وأماكن لم يروها إلا بين دفيتي الكتب.
القراءة هي حياة أخرى تمنح للإنسان، توسّع له آفاق المعرفة والثقافة، فتتوسع مداركه في التعامل واتخاذ القرارات، فتجد المثقف يُحب الناس سماع رأيه والأخذ به؛ لأنّه يعلم أكثر مما يعلم الكثير.
وقد حث الإسلام على القراءة، بل نَزَل الوحي كله على قاعدة اقرأ فكانت "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وإنّ أول ما خلق الله هو القلم.
وقد سميت أمة الإسلام (بأمة اقرأ) وستقرأ يومًا بإذن الله.
لكن المؤسف أنّ الذين لا يقرأون يتعللون ألّا فائدة من القراءة، وهم لم يجربوها، إنّه الجهل بعينه والجحود بنعمة الله أن منحه عقلٌ واعي ووقت فراغ، رغم أنّ القراءة الصحيحة هي تلك القراءة التي تعتبر تمامًا كالماء والطعام، فهي غذاء الروح يداوم عليها القارئ كل يوم وليس في وقت فراغه وحسب.
لو خضع أحدهم لتجربة أن يقرأ كل يوم خمسة صفحات من كتاب، سيخرج على آخر الشهر بناتج مئة وخمسون صفحة، أي تسعمائة صفحة لمدة نصف عام، أي بمعدل ثلاث كتب كبيرة، أي من ستة إلى عشرة كتب صغيرة ومتوسطة، وإذا قيس هذا على العام فسيكون قد خرج بنتاج عشرين كتابًا في السنة مع كل كتابٍ تجربة، وفي كل كتاب معرفة جديدة. كل هذا من خمسة صفحات يوميًا فكيف لو زيدت لعشر صفحات، ستصبح مكتبة متنقلة في نهاية العام، وستدرك حتمًا أن تفكيرك قد تفتح، ومدارك معرفتك قد ازدادت وأن دُنيا جديدة قد أصبحت ملجأ لك.
إذن فالقراءة مهمة، والذين يقتنعون بذلك يبدؤون القراءة ويشعرون ببطىء سرعتهم في القراءة، وهذا شيء بديهي؛ لأنّ الدماغ غير مهيأ؛ لأنّ خلاياه لم تكن معتادة عليها، لكن مع الاستمرار في القراءة سيتفاعل دماغه معها شيئًا فشيئًا وتزاد سرعة القراءة لديه، والبعض وصل لسرعات هائلة في القراءة، وازدادت مع القراءة قوة الحفظ أيضًا.
اجعل من القراءة وردًا يوميًا لك، وانتقي الكتب التي تفتح لك سُبل الحياة وتعرفك على قوانينها، التي تصف لك قواعد المعاملات مع الناس، وكتبٌ لما تهواه وتتخصص به، فقد قيل أنّ الثقافة هي معرفة شيء عن كل شيء وكل شيء عن شيء، أي بمعدل أن تقرأ خمسون بالمائة في مجال تخصصك، والنصف الآخر في مجالات متعددة.
اسأل من يقرأون الكتب عن الكتب الجيدة، فالكتب تمامًا كالطعام منها ما هو نافع ومنها ما هو ضار، منها ما هو مفيد جدًا وأساس الفائدة كالبروتين، ومنها ما هو أقل فائدة كالفيتامين مثلًا.
انتقي الكتب، وجدول وقت قراءتها، واعتمد تلخيص المقتبسات التي تعجبك منها، وتمتع بالقراءة، شارك أصدقاءك بالكتب التي قرأتها وناقشها معهم، ولشبكات التواصل الاجتماعي في ذلك باع كبير في الصفحات والمجموعات المخصصة للقراءة.
اصنع لنفسك عالم جديد، ولتبدأ القراءة ولتستمتع.